أجزاء مبعثرة

جلست مسندا رأسي على ظهر كرسي في غرفة فندق في الناحية الشرقية من المدينة التي أسكن بها،غرفة كبيرة تليق بفخامة الفندق، سرير مزدوج وسط الغرفة، وعلي جانبه الأيمن مائدة بكرسيين - حيث أجلس أنا- تطل على البحر، أضواء السيارات والمارة متفرقون على جانبي الطريق، المنظر آسر بصراحة، وعلى الجانب الأيسر من السرير توجد حقيبة سوداء من الجلد تخصني وعلبة بنزين من الحجم الكبير، أما المطبخ ففي الجهة المقابلة.

.
كنت أحملق بصبر نافذ في الساعة الجدارية للغرفة والتي كانت تشير للثامنة مساءا, لقد أنهيت لتوي مكالمة مع زوجتي، نائلة، لم أكن في مزاج مناسب لأستمع لهرائها المتكرر عن العشاء الذي أعدته لي وذلك المسلسل الذي تتابعه و.. و.. ، أخبرتها بأني سأتخر للعمل كالعادة وقد أعود بعد الفجر، أحسست بنبرة الإحباط في صوتها وهي تتمنى لي حظا موفقا
نحن حديثا عهد بالزواج كما تعلم -زاوج تقليدي إذا أردت الدقة- ومن الصعب عليها أن تبقى وحيدة في المنزل في كل مرة، لكن كما قلت لك لم يكن لي المزاج المناسب، كنت متعطشا لشيئ آخر، لذا أقفلت الخط وجلست منتظرا أنظر بلهفة لعقارب الساعة. 


أشعلت لفافة تبغ وإذا بالباب يطرق.. أحس برائحة عطرها تخترق الغرفة، لقد وصلت ، شابة في الخامس والعشرين من عمرها بقوام ممشوق وشعر أحمر ناعم منسدل على كتفيها، نعم لك أن تخمن أن هذا هو العمل الذي سيشغلني عن نائلة الليلة... 


دخلت الفتاة الغرفة وألقت علي التحية، أجلستها على المائدة وسألتها عما تريد شربه، فأجابت :
"لتحضر أي شيء"
قمت متجها إلى المطبخ بينما الفتاة سارحة في النافذة، وضعت حبة منوم كالعادة وقدمت لها الكأس فشربته دفعةً واحدة، تعجبني الثقة العمياء التي تتعامل بها، هذا يسهل الأمر جدا، ما هي إلا دقائق حتى تفقد الوعي وأبدأ العمل، نهضت مرة أخرى وأخرجت الفأس من الحقيبة الجلدية بجانب الفراش..

 
بدأ مفعول المنوم، تترنح الفتاة وتحاول أن تقاوم النعاس لكنها تفشل ويسقط رأسها على المائدة.. 


أضعها على السرير وأحضر الفأس،
"سأحاول أن تمر الدقائق التالية بأبطأ ما يمكن! "
أنت تعرف كم تستهويني عملية تقطيع إنسان لا حول له ولا قوة، رؤيته يتحول إلى أشلاء متفرقة أمر لا أستطيع مقاومته.. 


بعد أن إنتهيت، كانت الغرفة أقرب ما تكون للوحة "قطع تشريحية" لثيودور جريكولت، أجزاء الفتاة في كل مكان، الدم يغطيني كما يغطي الغرفة لحسن الحظ لدي بذلة للغيار في حقيبتي..
هكذا جمعت بعض القطع من جسدها و دسستها في الحقيبة ثم أخذت حماما وغيرت ملابسي، بعدها أفرغت علبة البنزين في الغرفة، إرتديت نظارتي السوداء، وركبت اللحية المستعارة،ثم قمت بإشعال عود الثقاب وأنا أقف جوار باب الغرفة، ألقيته وخرجت تاركا لوحتي الفنية تحترق...


 لا تكن أحمق, بالطبع لن أحرم الناس متعة النظر لمشهد كهذا! ,أنا أقتل للمتعة كما تعلم, وأين المتعة ان لم تنتشر جرائمي ولم تتداولها الصحف ؟ ولم تثر الرعب في جوف كل من يسمع عنها ؟
اننا في فندق من خمس نجوم ,ومن المؤكد أن أنظمة اطفاء الحريق تعمل بكفاءة , أشعلت النار فقط لأنذر القوم بأن لوحة أخرى جاهزة !


الغرفة في الطابق الأول لذلك تمكنت من الخروج في اللحظة التي أطلق فيها جرس الانذار، بعدها أوقفت سيارة أجرة لتوصلني لحيث ركنت سيارتي بجانب الغابة المجاورة على بعد نحو 30 كيلومتر، أين رميت الفأس واللحية والملابس الملطخة بالدم في حفرة معدة مسبقا، وحرقت كل شيء كالعادة ثم ركبت سيارتي راجعا للمنزل وكأن شيئا لم يكن.. 

***


حين وصلت للمنزل، كانت الساعة تشير للثالثة صباحا، لقد مر الأمر أسرع مما توقعت..


المنزل إن كنت تسأل متكون من طابقين، بأربع غرف واسعة لكل طابق، أما المطبخ ففي الطابق الأرضي بالجانب الأيمن للمدخل, تقابله غرفة ضيوف واسعة، ثم غرفتان فارغتان يتوسطهما الدرج الذي يقود للأعلى، عند إنتهائك من الدرج مباشرة تجد مرآة ضخمة تعكس الرواق الذي تتوزع على جانبيه باقي الغرف، غرفة نومنا تقع مباشرة فوق غرفة الضيوف. 

 

لاحظت قبل دخولي المنزل بأن نور غرفة النوم مضاء، يا الهي تلك الفتاة عنيدة كالصخرة! يبدو أنها ما زالت تنتظر,حاولت الدخول دون اصدار صوت, و اتجهت مباشرة نحو المطبخ ,خبأت قطع اللحم في درج خاص من الثلاجة. وغيرت ملابسي ثم اتجهت لأعلى..
 عندما دخلت الغرفة وجدتها قد نامت بالفعل لذا قبلت جبهتها واندسست في الفراش بجانبها.. ماذا ؟ لا يزال لي الحق في أن أحب زوجتي ألا تعتقد ؟

***


أيقظني إتصال هاتفي من أحمد على الساعة الثالثة صباحا تقريبا، هو ضابط شرطة، وهو الآن مكلف بملاحقة... ، إن كنت لا تعرف من هو.... فدعني أعرفك به،بدأ الأمر منذ ستة أشهر تقريبا، اين تم إبلاغ الشرطة عن إيجاد فخذ يسرى بشرية في الغابة الشرقية، وجدها مجموعة من الشبان كانوا في رحلة تخييم..

بعد تفتيش المنطقة تم إيجاد أجزاء أخرى قدم يسرى، أصابع يد، أذنان... لنفس الجثة - كما تبين بعد فحص DNA- كانت تلك الأجزاء حديثة ومبعثرة في أنحاء الغابة،إنها جثة أنثى، تم معرفة ذلك لأنهم عثروا أيضا على جزء آخر، كان أكبر ما تم إيجاده، إنه النصف العلوي للجثة - من البطن إلى الرقبة- عاريا بالطبع ، لا يوجد رأس، اليد اليسرى تم قلع أصابعها، وكانت معلقة على شكل صليب في شجرة، أما النصف السفلي أو ما تبقى منه فكان ملقى بجانب الشجرة ويحتوي على أعضائها التناسلية فقط.

بهذا فما لم يتم العثور عليه هو رأس الضحية وفخذها الأيمن

لم تتمكن الشرطة من تحديد هوية الجثة بسبب عدم إيجادهم لأي أوراق تثبث هويتها ، كما أنهم لم يتلقوا أي بلاغ بإختفاء شخص في المنطقة.
لا يوجد أي دليل يشير إلى المجرم، تم الأمر في الليلة السابقة، ولم ير أحد من السكان شيئا أو يسمع.

بعدها بخمسة أيام تم الإبلاغ عن حادثة مشابهة في الغابة الغربية،لا أثر للرأس ولا الفخذ الأيمن، لكن هذه المرة، ترك المجرم أداة جريمته، لقد ترك فأسا مغروزة في النصف العلوي للضحية، وترك بطاقة هويتها بجانب أعضائها التناسلية،كانت بائعة هوى ذات 26 عاما..

إتضح فيما بعد أن كلتا الضحيتين كانتا حيتين أثناء قيام ذاك الوحش بتقطيعهما لكن لابد من أنهما فقدتا الوعي بسبب كل ذلك الألم ، كان سبب الموت هو النزيف الحاد.

بعدها تغير موقع الجرائم، وذلك بسبب إنتشار رجال الشرطة في كلتا الغابتين - المنطقة تحتوي على غابتين فقط-، لقد صار الوحش يقوم بجرائمه في الفنادق، إنها مدينة سياحية وعدد الفنادق هنا يكاد يفوق عدد السكان.

لنعد لوضوعنا الآن ،أحمد كما قلت لك هو الضابط المكلف بمطاردة هذا الغول، أما أنا فأدعى سامي،أعيش وحدي في شقة متوسطة الحجم وأعمل صحفي حوادث، وسبب اتصاله بي هو أن بيننا علاقة مصالح متبادلة، هو يخبرني بالحادث في أسرع وقت لأكتب عنه قبل الصحف المنافسة، وأنا أضمن له شهرة معقولة شيئ ما يشبه علاقة التمساح بطائر الزقزاق، الأول ينظف أسنانه بلا جهد والثاني يأكل بدون مقابل ..
أيا يكن، يمكن توقع سبب اتصاله في هذه الساعة، إنها جثة أخرى أو بالأحرى أجزاء جثة.

***

عندما وصلت، كانت سيارات الشرطة تحيط بالفندق، فندق خمس نجوم تم بنائه منذ عهد قريب، لقد أخبرني الضابط بأن الجريمة تمت في الطابق الأول، الغرفة 7، لذلك صعدت مباشرة إلى هناك، كان المنظر مروعا، برغم أن هذه ثالث جريمة أحضرها لهذا المسخ (لم أشهد جريمتي الغابة) إلا أن المنظر يزداد سوءا في كل مرة.. أحتار فعلا لإمكانية إعتياد شخص لمناظر كهذه..
 

هكذا وبعد أن أفرغت عشاء الليلة السابقة في الحمام المجاور دخلت الغرفة مرة أخرى، كان احمد يقف وسط أشلاء الجثة المبعثرة، نظر إلي بعينيه الضيقتين وقد تبدت تجاعيد جبينه في الظهور،إنها نظرت كفيلة بأن تجعلني أعترف بتقطيع هذه البائسة وتوزيع أجزائها في أنحاء الغرفة، قلت وأنا أرفع جهاز التسجيل كأني أختبئ خلفه:

-"أهلا أيها الضابط، هل لك أن تقدم لي شرحا عن ظروف إكتشاف الجثة؟"

 

يتبع...




تعليقات